دكتور مصطفى محمود .. وداعاً أيها العالم الجليل والمفكر الكبير ، رحلت - نعم رحلت – فكلنا راحل ، وقد جاء الوقت الذى تسعد فيه بالقرب ممن أحببت ، أحببت الله كثيراً حتى أنك كلما تكلمت عنه وعن عظيم خلقه سبحانه كانت تترقرق بالدموع عيناك ، أحببته سبحانه حتى أنك لم تكتب كتاباً واحداً إلا وذكرت فيه عظيم إبداعه وقدرته فى خلقه وهو القادر البديع ، وكنت فى جميع حلقاتك ترجوه المغفرة فى كل ما ينطق به لسانك وما تفصح به عيناك حتى وإن لم تتكلم.
دكتور مصطفى محمود - الآن رحلت – رحلت بعد 88 عام من العمر كنت فى معظمهما مشغول بالجد والإجتهاد فى طلب العلم وتوصيله للناس ، - الآن رحلت - بعد رحلة طويلة من التصارع مع الذات لإكتشاف الحقيقة وبلوغ الإيمان وروعته ، - الآن رحلت - تاركاً نوراً خلفك نسير على هداه فى طلب العلم وحلاوة الإيمان .. رحلت لتقابل من أحببت بوجه مضئ - فهنيئاً لك – هنيئاً لك لقاء الرحمن.
دكتور مصطفى محمود .. من بكا على فراقك ؟!
بالطبع بكى على فراقك أهلك وقرابتك ومعارفك وأصدقائك وزملائك ، ولكن من شاركهم يا تـُرى البكاء على رحيلك، ومهما مر الزمان لن ينساك وينسى تاريخه معك ؟!.
تعرفوا معى على هؤلاء اللذين لن ينسوه مهما طال الزمان "اليوم وغداً والشهر القادم والسنين القادمة وحتى قيام الساعة" :
* بكت على فراقك الأقلام .. فمن سيأتى ليكتب ما كتبت ويدون الإكتشافات العلمية من منظور الإيمان كما دونت ، أتمنى من الله تعالى أن يلحق بقلمك الكثير من الأقلام ويلحق بمدوناتك مدونات كل مؤمن طالب علمٍ فطن.
ويكتب كتاب كهذه الكتب التى ألفتها وعددها (89) كتاب نعرض منها البعض :
- كتاب قراءة للمستقبل
- كتاب كلمة السر
- كتاب على خط النار
- كتاب الإسلام فى خندق
- كتاب لغز الموت
- كتاب سواح فى دنيا الله
- كتاب رحلتي من الشك إلى الإيمان
- كتاب عالم الأسرار
- كتاب القرآن محاولة لفهم عصري
- كتاب زيارة للجنة والنار
- كتاب حوار مع صديقى الملحد
- كتاب رأيت الله
- كتاب عظماء الدنيا وعظماء الآخرة
* بكى على فراقك أيضاً الفقراء .. لم تكتفى بأن تتقرب لربك بالعلم والمعرفة ؛ جاء فى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة) ، ولكنك أيضاً إنسان رقيق شفوق على أخوتك فى الله ؛ فأقمت المشروعات الخيرية وأقمت مستشفى ودعمتها بمالك وأسست كذلك ثلاث مراكز علاجيةً فى مختلف التخصصات لعلاج محدودي الدخل ؛ وأنشئت جمعية لأعمالك الخيرية وأسمها : (جمعية مصطفى محمود الخيرية) ؛ فى حين أن أغنياء العرب لا زالوا فى حيرة من أمرهم يتصارعهم أمران (الشهرة أم رضى الرحمن) ، وعطائهم أصبح عطاء رياء وضياع للأموال .. فيا ترى من سيبكيهم عندما يرحلون ؟! .. أسيبكيهم المغنون أم اللاعبون أم أصحاب الشهرة .. أتسائل؟!.
* وبالطبع سيبكيك مسجدك الذى بنيته لوجه الله .. "مسجد دكتور مصطفى محمود" وهو من كبريات مساجد مصر فى اكبر وأرقى الميادين والتى سميت أيضاً بأسمه ، والذى كان يجتمع المسلمون فيه لعبادة الله ويجتمعون فيه أيضاً فى العيد بمئات الآلاف لأداء صلاة العيد ويعيشون فيه أول لحظات الفرح بقدوم العيد ، لقد كان مكان هذا المسجد ثروة لأى إنسان لإستثماره لكنك أخترت بدلاً من المليارات التجارة مع الله تعالى وأسست هذا المسجد الكبير.. ليتنا نختار مثلك هذه التجارة الرابحة مع الله تعالى.
* بكت كذلك على فراقك مشاهدين برنامجك حول العالم .. وكنت من ضمن هؤلاء المشاهدين ، كنت طفلة عندما شاهدت برنامجك (العلم والإيمان) تأثرت به كثيراً حتى أننى حلمت أن أكون مخترعة كبيرة ؛ ورأيت كذلك تأثر الكثيرين بك ممن حولى ، وكلما كبرت كان برنامجك يشدنى أكثر ويشد جميع الناس حول شاشة التليفزيون لرؤية التقدم العلمى فى جميع مجالات الحياة ، ومعرفة قدرة الخالق العظيم صاحب كل هذا الملك والملكوت.. (400) حلقة متواصلة من النور ، من الفهم لعظمة الخالق وعظمة تدبيره فى كونه.
والآن أفتح التليفزيون والفضائيات فلا أرى إلا البرامج معدومة الرؤية والهدف ؛ برامج أسميها برامج (المشاحنات والمجادلات والهيافات والمسابقات التافهة والأغانى الهابطة) ، وكأن شيئاً لم يعد ينقصنا فلم يعد هناك ضرورة لمشاهدة البرامج التعليمية والتثقيفية و الدينية والعلمية الهادفة ، نعم هناك قلة تحاول جاهدة من خلال البرامج الهادفة بلوغ النور ، إلا أن الظلمات كثيرة ونحتاج لمزيداً من النور ليزيل عنا سواد أعيينا وبصيرتنا وسواد أفكارنا ومشاعرنا وسواد أخلاقنا وسلوكايتنا غير الحضارية ، فنرى الحق لنتبعه .
دكتور مصطفى محمود .. لقد كنت نوراً نمشى على هداه ، وأنا اليوم أدعو كل صاحب رسالة ورؤية وطالب علم أن يكمل مشوارك ويزيد النور فى دروبنا لنعود نحيا بالعلم والإيمان.
= - العلم والإيمان د/ مصطفى محمود يتحدث عن الألوان
- أسرار الأطباق الطائرة
- الفرق بين الإنسان العبقرى والإنسان العادى
وأقرأ معى كلمات من كتابه (الطريق إلى جهنم):
= من كلماته فى معرفة الله والإعتراف له بالوحدانية:
قوله : (الله الذى هو المستند الوحيد الذى تستند إليه أحقية كل شئ .. كيف أنقلب إلى حقيقة ظنية تحتاج إلى حقيقة أكبر تستند إليها.
يقول ربنا كما ذكر "النفرى" فى كتابه "المواقف والمخاطبات" : أنا يستدل بى .. أنا لا يستدل على ..
ذلك لأن الله هو الحق الخالص الذى تستند إليه كل الحقائق الثانوية فى مصداقيتها .. وهو الدليل الذى يستدل به عليها وليس الشئ المظنون الذى يستدل عليه بها أو بغيرها.
والله هو الموجود بذاته وكل الكون بما فيه موجود بالله .. بمدده وبفضله .. وذلك لأنه الأول الذى ليس قبله شئ منذ ايام ارسطو ومن قبل ارسطو منذ بدأ الفكر يفكر والعقل يتعقل ومن قبل ذلك منذ الأزل .. هذا من ناحية الفكر.
أما من ناحية الحس والوجدان والشعور والاستبصار فالله شاخص ماثل حاضر على الدوام – وله المثل الأعلى – مثل شمس لا تغيب ونهار لا ينقطع .. فمن ذا الذى يطلب برهاناً على الشمس وهى طالعة ملء الأبصار .. أو يطلب برهاناً على النهار وهو فى عز النهار ، وإذا كانت عيوننا لا ترى الله لأن أبصارنا أعجز من أن تحيط بلانهائيته إلا أننا عرفناه من اثاره وصنعته وعجائب قدرته فى أنفسنا وفى الكون وفى الخلائق صغيرها وكبيرها .. فنحن نراه بآثاره فيها كما يرى الأعمى الشمس بدفئها تشيعه فى بدنه).
= من كلماته أيضاً فى حال الإسلام والمسلمين اليوم:
قوله : (أما نحن ومعنا المشرق كله فما زلنا مشغولين فى الموت وما بعده وفى الدنيا وما وراءها .. المؤمنون منا يرون الدنيا على حقيقتها مجرد بروفة على مسرح لاختيار اللياقات والمواهب .. وكل ما فيها من زخرف وقصور وجواهر ومفاتن هو مجرد ديكور من الخيش الملون والورق المزوق والخرز البراق .. ثم ما يلبث أن تأتى ساعة فينهد هذا كله ، ثم يبدأ المخرج فى تقييم اداء كل ممثل تمهيداً لطرده أو مكافأته.
والمؤمنون منا يرون أن الدنيا مزرعة الآخرة وأنها فرصة لا يجب أن تفوتها بل يجب أن تملأها بصالح الأعمال .. فلا حياة بحق ألا حياة الآخرة .. ولا قادر بحق .. ألا واحد .. هو الله الذى خلق كل الكائنات وخلق الكون وخلق الدنيا وخلق الموت وخلق الحياة .. وإننا بالله نحيا وبه نموت وبه ننجو وبه نثاب .. فلا أمل ولا فلاح الا بأن نتقرب إليه ونبتغى وجهه فى كل ما نفعل.
هكذا يفكر المؤمنون وقليل ما هم .. أما الباقون وهم الكثرة فقد انحرفوا بدرجات عن هذا الطريق وابتعدوا بدرجات عن هذا المفهوم .. البعض غلبته الدنيا والبعض غلبته المصلحة والبعض استعبدته اللحظة .. والمثقفون منهم انبهروا بالغرب وانهزموا امامه وفقدوا انفسهم وفقدوا هويتهم وخلعوا ماضيهم وأنكروا تاريخهم ولم يروا إلا علمانية الغرب طريقاً للنجاح والفلاح .. وقد عميت أعينهم عن الوجه الآخر المظلم لتلك العلمانية الغربية بما فيها من إنحلال وفوضى جنسية وجريمة وأمراض نفسية وجنون وإنتحار وخواء روحى وتفكك أسرى فقد شبعت البطون وماتت الأرواح عطشا .. ورأينا فى قلب القلعة العلمانية فى الغرب من يتطلع للإسلام كحل ومنهم علماء ومفكرون وساسة مثل جارودى وهوفمان وليوبولد فايس وموريس يوكاى وغيرهم .. بينما انتكس المثقفون المسلمون فى بلادنا إلى مادية ملحدة ونظروا فى سخرية إلى كل من يحمل دعوة إسلامية إلى الغرب وتهامسوا ضاحكين فيما بينهم .. اى علم سوف يضيفه الإسلام إلى الغرب .. وكيفَ يبيع المسلمون الماء فى أرض السقائين .. وأى حاجة للغرب فى إله محمد .. ؟!!
وأصبحنا نعيش فى عصر تتقاطع فيه التيارات الدينية والفكرية .. ويسوده تياران كبيران تيار إسلامى يحمله قوم فقراء ضعاف مغلوبون على أمرهم وتيار علمانى يحمله قوم اقوياء اذكياء طغاة مهيمنون فجرة.
بضاعة جيدة يحملها تجار مساكين حفاة مهلهلوا الثياب لا يحسنون عرض بضاعتهم فهم يعرضونها على أرصفة ينام عليها الذباب .. وبضاعة رديئة يحملها تجار أغنياء شديدو الذكاء واسعوا الحيلة يجيدون الإعلان عن سلعتهم ..
والبضاعة الرديئة هى الرائجة والمنتشرة والسائدة بحكم ذكاء اصحابها وعظم سلطانهم .. وتلك هى البضاعة العلمانية.
والبضاعة الجيدة بائرة بحكم ضعف أصحابها وهوان شأنهم .. وذلك حال الإسلام).
* وقد عتب الناس على دكتور مصطفى محمود لصوفيته فرد عليهم فى كتابه (عظماء الدنيا وعظماء الآخرة) فقال:
(وقد يعتب علىً الأصدقاء الخلصاء ويقولون لى : كيف تترك نفسك لتغيب فى هذا السكر والوصال الصوفى وقد عهدناك صاحياً لدرجة الصراخ.
وأقول لهم : إنما السكر هذا السكر لأصحو وأفيق واستجمع نفسى واحتشد لالتحم من جديد بهذا العالم واصرخ .. فالواقع الذى نعيشه أمر أكبر من أن نصارعه فرادى .. إنما نصارعه بالله .. وبدون الله لا أمل.
وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول لربه : بك أحيا وبك أموت وبك أصول وبك أجول ولا فخر لى).
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]